الأربعاء، 10 مايو 2017

عيون - أضواء على المجتمع.. وقضية للنقاش

يعج المجتمع اللبناني بمشكلات جمة ناجمة عن آثار الحرب الأهلية التي لم يخفت وهجها بعد، لاسيما مع استمرار البعض بسكب وقود الطائفية على الرماد الحامي. كما ان للأزمة السورية وفضاعاتها وما نراه من مشاهد القتل الوحشي وقطع الرؤوس والتهجير، وأزمة اللاجئين في لبنان والذين اصبحوا يشكلون ضغطاً كبيراً على دولة صغيرة بمساحتها ومواردها ما يهدد بـ"أم القنابل" الاجتماعية التي إذا ما انفجرت فستعيد لبنان إلى أتون الحرب الأهلية والإقتتال الداخلي.

 وفي خضم هذا المشهد فإن الجبل وبالتحديد البيئة الاجتماعية لطائفة الموحدين الدروز هي من أكثر المتأثرين بهذه الأزمة من نواح عديدة كونها مجتمع له من الخصوصية ما له ومن التقاليد والعادات والتزمت الديني والعشائري والمناطقي، والذي لا يزال يمثل سمة أساسية لأهل الجبل رغم التطور والانفتاح الحاصل وما حققته ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائطها المتعددة والتي باتت في متناول جميع الفئات العمرية والمجتمعية (اي ما يعرف لدى اهل التوحيد بالعقّال والجهّال)، وهنا لا بد من الاشارة إلى أن توصيف العقّال والجهّال هو توصيف نسبي ولا ينطبق على الجميع من الفئتين، فكم من عاقل في الشكل جاهل في المضمون والعكس صحيح.

ومن هنا سأنطلق إلى أمور أخرى متشعبة ومتشابكة، بناء على ما يشهده الجبل من حالات قتل للنفس إنتحاراً ام اعتداء ام من رصاص طائش، يضاف اليها حالات الطلاق وحالات ارتفاع معدلات العنوسة بين الذكور والاناث، وارتفاع وتيرة الانفلات الامني والاخلاقي والفكري، وكلها تشكل غرزة سكين حاد في خاصرة أهل الجبل وبالتحديد الفئة العمرية الشابة التي وجدت نفسها في واد سحيق بين جبلين شاهقين الأول هو التزمت والانغلاق الفكري والديني والثاني هو التطور وما يرافقه في بعض الأحيان من إنعدام للضوابط التي ينتج عنها انفلات كبير يدمر القيم الإنسانية. 

وفي هذا السياق لا بد من إعادة تعريف للقيم الانسانية ومطابقتها على عصرنا الحالي مواكبة للتطور وخروجاً من مجاهل القرون الوسطى التي تخنق شبابنا وبناتنا الذين باتوا يعيشون في انفصام بين الجامعة والبيت وما بينهما من شوارع يتقن لغتها شبان مهووسون ومتعطشون لممارسة ابشع انواع التعدي على الخصوصيات وعلى الحرمات دون رادع امني من الدولة، وبتغطية من الوازع القبلي الذي يغدق عليهم بالمال مقابل الولاء ويؤمن لهم حصانة عبر أزلامه في بقايا شبه الدولة المسروقة. 

فبناتنا اصبحن عرضة للتحرش اللفظي والنظري والعملي من قبل هؤلاء، وعلاوة على هذا الاغتصاب الشوارعي يُغتصبن في المنزل بحجة المحافظة والتقاليد والسمعة وغيرها من سيمفونيات العزف القبلي المقيت الذي كانت عاداته وأد البنات. وفي الناحية المقابلة ايضاً نجد فتيات لعوبات مغرورات طغى قبحهن الداخلي على جمالهن الخارجي، فتراهن يتكبرن على الناس ويتستضعفن من يقول لهن كلمة طيبة او يعبر لهن عن حب دونما اي تأنيب ضمير، ويتصرفن بطرق جارحة للمشاعر غير آبهات بما ينتج عن ذلك من أثر نفسي على بعض الشبان. حتى أن انفصام بعضهن بشخصيتين او ثلاث او ربما أربع تجعل من اي شاب أسير مزاجهن المتقلب. وتتكرر هذه الظواهر مع انتشار وسائل التواصل بحيث ان لي انا شخصياً تجارب عديدة في هذا السياق كما اني سمعت الكثير عن تجارب لأصدقائي من الجنسين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اضفت فتاة على حسابي في الفيسبوك لإعجابي بما تكتبه من آراء حول عدة مواضيع ذات الاهتمام المشترك، وعند اول حديث بيني وبينها فوجئت بسؤالها لي:"بشو عم تحس"، ورغم اني لا اعرفها جيداً الا ان إحساسي دفعني مباشرة إلى حذفها، فليس كل تعارف على مواقع التواصل يعني احساسا ايجابيا او سلبيا وليس كل احساس يعني تواصلا، والاعجاب لا يعني الغرام والعزوبية لا تعني البحث عن شريك عبر تصفح الصور الخادعة في اغلب الاحيان، ورفض الآخر لك لا يعني نهاية العالم وتفضيل الانتحار، فالخيارات لديكَ او لديكِ متاحة بشكل اكبر من ما تتوقعه (تتوقعينه)، والصداقة الافتراضية لا تعني في الغالب صداقة على ارض الواقع، والاعجاب الفيسبوكي لا يعني اعجاب وانجذاب روحي وجسدي وعقلي، كله يبقى في اطار الشبكة العنكبوتية الافتراضية وقد لا يتطور حتى إلى لقاء على ارض الواقع. 

أنتقل إلى موضوع آخر، هو السادية في التعاطي بين الشاب والفتاة إذا ما تعلق الامر بتخطيط إلى زواج، فالفتاة واهلها لا يراعون اي ظروف يمر بها الشاب، واصبحت المظاهر والبذخ عليها اهم من اي عقد روحي وعهد مقدس، وهذا الامر جعل الشباب يُدبر ولا يُقبل على الزواج بسبب الوضع الاقتصادي، كما جعل نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات إلى ازدياد بسبب انصراف الفتاة إلى العمل وشعورها باستقلالية تغنيها عن الارتباط. وهنا تجدر الاشارة إلى ان معظم الزيجات التي تتم انما هي لشبان تخطوا العقد الثالث من فتيات في مقتبل العقد الثاني او ما دونه، وفي كثير من الاحيان ينتج عن ذلك حالات طلاق لأسباب عديدة في مقدمتها فوارق العمر والتفكير الناضج. وهذا الامر يقود إلى مشاكل اجتماعية متشعبة منها النظرة المجتمعية إلى المرأة المطلقة، ووضعها في اغلب الحالات في خانة العاهرة، وكذلك النظرة إلى الشاب المطلق والذي لديه اولاد ما يجعل فكرة ارتباطه بفتاة اخرى امر صعب ايضاً. ومن هنا يجب ان نضع معايير جديدة للتعاطي وان نبني جيلاً اكثر وعياً واكثر تواضعاً واكثر نضجاً، فناقوس الخطر يُدق بقوة ويجب علينا التحرك. 

وفي اشكالية أخرى وهي ملهمتي لكتابة هذه الاسطر هو تزايد حالات الانتحار بين الشباب، وهذا مرده إلى جميع الامور التي اسلفتها، فالشباب ضائع هائم على وجهه ولا يعرف اي مصير واي مستقبل ينتظره، وتزداد الصعاب عليه مع ارتفاع حدة التزمت المجتمعي من جهة وحدة الانفلات الاخلاقي من جهة اخرى مترافقة مع عدم وعي كاف حول الطب النفسي وعلاجاته للكثير من الحالات الموجودة، فيدفع الكبت والاحباط والاكتئاب الشاب او الفتاة إلى الانتحار بدلاً من المواجهة فيسقطون في زهرة ربيعهم ظناً منهم ان سرهم سيسقط معهم، الا ان الامر مغاير لتمنياتهم، إذ ان السر ينفضح وينتشر مترافقاً مع اشاعات كاذبة وتحقير واساءات تطالهم في قبرهم وتلاحق ذويهم حتى آخر حياتهم وتنغص عليهم عيشتهم. فيا اولي الالباب ارحمو من على الارض يرحمكم من في السماء، ويا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فلنطلب جميعاً الراحة الابدية لنفس كل من رحل قتلاً او انتحاراً، ولنقم بدورنا في التوعية والتنوير لكي ننتشل مجتمعنا من الهاوية التي يسقط فيها..وفي النهاية اقول:" سلام على من اتبع الهدى .. حدود العلة بسم الله الرحمن الرحيم

وليد رتيب قرضاب